قناة الراعي الصالح | الحرب الروحية | الدرس الرابع | الإرادة | الأنبا مكسيموس
- الحرب الروحية
- Jul 18, 2023
الحرب الروحية
الدرس الرابع
(الإرادة أي الحكمة والعقل والقدرة على التفكير والفهم)
مقدمة في درس اليوم أريد أن أبدأ الحديث عن المفتاح الرئيسي للنجاح في الحرب الروحية وهو الإرادة أي الحكمة والعقل والقدرة على التفكير والفهم. وهي التي تقودني إلى التمييز بين الأشياء، وأن أتخذ القرار المناسب لاختياراتي كإنسان ناضج، ولكن الطفل الذي وصل لمرحلة الإدراك، ربما لا يستطيع أن يتخذ قرارات مدروسة، ولكنه يستطيع أن يأخذ قراراته بتلقائية، كرد فعل لتجنب المخاطر مثلاً. وإن كان بعض الناضجين أيضًا لا يمكنهم تحمل المسؤولية ويحتاجون لمن يتخذ لهم قراراتهم، وهذا يعد خلل في الشخصية ويحتاج إلى علاج. ولكن دعونا نتكلم عن الإنسان الطبيعي الناضج، الذي عنده وعي بذاته، وكرامته، واحتياجاته، قادر أن يميز، ونضجت إرادته وأصبح له القدرة العقلية على أن يتخذ القرار، وأن يبتكر (فالإنسان تتكون إرادته ونضج فيما نسميه نحن بين البلوغ).
كيف اتحد بالمسيح؟ وكيف امتلئ من الروح القدس؟ وكيف امتلئ من حياة الله؟
وللإجابة على هذا السؤال، هو يجب أن أوجه إرادتي كي تتوافق مع إرادة المسيح، أي أن أطوع إرادتي لأن تطيع مشيئة الروح القدس، فالوحدة بيني وبين المسيح تبدأ من إرادتي أن تتحد بإرادة المسيح، وإن كنت أعمل الوصية في الإنجيل كما في الناموس مأمورة بالوصية، ولكن في الإنجيل تتوافق إرادتي، وتتحد، وتتسق، وتخضع لإرادة المسيح، ولمشيئة الروح القدس بالمحبة، واقتناعي بالوصية، واختياري أكون معه، هذا هو الإيمان الذي يؤول إلى الخلاص الذي فيه تكون حركة إرادتي تتجه لطاعته متحدة بإرادة المسيح، وهذا يختلف عن الإيمان الذي تحدث عنه سفر العبرانيين "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى. العبرانيين ١:١١ " وهنا يتحدث عن الثقة بمواعيد الله، وليس الإيمان الذي يقود إلى الخلاص "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ. يوحنا ١٢:١، 13 "
هذا هو إدراك السلطان الذي يُمَّكِنَك أن تصير ابن لله، وتستلم الطبيعة الجديدة التي تُمَّكِنَك أن تصير ابنًا لله، وتواصل حركة اتساق إرادتك مع إرادة المسيح. أي أن تختار دائمًا أن تكون إرادتك تختار المسيح، هذه هي حياة الإيمان، أو ترتد الإرادة عن إلى أن تختار إرادة إبليس، والعودة إلى الخطية مرة أخري، وهذا الارتداد، ارتداد عن الإيمان، أي ارتداد الإرادة عن قبول المسيح، لأن إبليس عندما يضغط على الإرادة بالغواية، وضغوطه المختلفة، فإن لم تثبت الإرادة في مواجهته، وانحازت لعمل الشر، هذا هو الارتداد على الإيمان، لذلك قال الرب له كل المجد "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي. يوحنا ٩:١٥ " وأيضًا قال الرسول بولس "اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا. 1 كورنثوس ١٣:١٦ " " فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ. غلاطية ١:٥ " وهذا يعني أن تكون إرادتي ثابته في اختيار محبته.
وكيف أثبت في محبته؟ "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي». يوحنا ٢١:١٤ " و "إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ. يوحنا ١٠:١٥ " و "«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، يوحنا ١٥:١٤ ". وحفظ الوصية يجعل كل اهتمامنا وانشغالنا بمحبته، ويقول الرب لأن الآب مجدني مجدًا عاليًا، وأعطاني الاسم الذي هو فوق كل اسم، سأعطيكم أن تصيروا آلهة وأبناء الله
إذًا وماذا عن قول الرسول بولس " لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. غلاطية ١٧:٥ "، أرجو أن نلاحظ عندما يعرف كلمة روح بالـ الألف واللام، فهو يقصد الروح القدس، والآن نحن أخذنا سلطان أن نصر أبناء الله، وأخذنا الطبيعة الجديدة، فصار الروح القدس يعمل فينا لمشيئة الله، فهو يريد بلوغ مشيئتي إلى مشيئة الله بطريقة مستمرة، وإن كانت الطبيعة الإنسانية التي نشأت بها قد استلمت السيرة الباطلة من الآباء، "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ. طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ. 1 بطرس ١٨:١، 22 " والميديا، والمعاشرات الردية، وأشياء كثيرة تراكمت في داخل مخيلتي، ومشاعري، وجسدي، فأصبحت الخطية ساكنة في داخلي " لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. رومية ١٧:٧ " هذا ما يسمى بالإنسان الطبيعي "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ،1 كورنثوس ١٤:٢ " الذي فيَّ، الذي لم يستلم الطبيعة الجديدة بعد، تجد إرادته وشهوته متجهة نحو الخطية، على العكس تماما كل من ولد من الله واستلم الطبيعة الجديدة، تجد إرادته اختارت بل ومتجهة بأن تكون للمسيح، وإن كان هناك صراع يمكن أن نلاحظه في بداية المرحلة الأولى والأساسية لقبول المسيح، يبقي في داخلي قوتين متصارعتين، الأولي التي تقودها إرادتي مؤيدة بالروح القدس، والقوة الثانية هو المخزون الذي في إنسانيتي الطبيعية، في الجسد اللحم والدم، والجسد ومعه النفس البشرية والتي تميل للاشتهاء، والانتقام، والغضب، وتميل للنوم والكسل، واليأس إذا تركت مشيئة الله. فإما أن أقاوم وتستنجد إرادتي بالروح القدس في مقاومة المشيئة العتيقة، وإما أن تنحني للخطية.
إذًا الدرس الأول أن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح يعمل ضد شهوة الجسد، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فإذا انحازت لأفكار وأعمال إبليس، يحزن الروح القدس في داخلي "وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ. أفسس ٣٠:٤ " هذا ما يسمى بارتداد الإرادة، أن إرادتي قد ارتدت وانحازت فعليًا لإرادة الروح الشرير، فأفعل ما لا أريده، نعم هنا أخطأت لأني فعلت ما لا أريده، ولكني لم أفقد خلاصي، ولم أفقد شركتي مع المسيح، ولم أفقد شركة الروح القدس.
الأمر الثاني عندما ينبهني الروح القدس بأني أخطأت، وزلت قدمي، يجب أولا وحالاً أن أقول لله أني أخطأت، وكذلك لمن أخطأت في حقه، وهو ما يسمى رد المسلوب، فتكون توبتي ليس كلام، بل أعود بإرادتي إلى طاعة مشيئة الله والروح القدس، وإذا رأيت أخي الذي جرحته لم يتقبل أسفي لجرحه العميق، يجب ألا أتوانى، بل أسرع لأطيب خاطره، ولا أترك أخي قبل أن أرد ما سلبته منه.
الدرس الثاني بمجرد أن أنتبه إلى نفسي، يجب حالاً أن أستعيد إرادتي إلى طاعة المسيح، وإن لم أستعيدها، سيتمكن الشرير من حياتي مرة أخرى، وتصبح إرادتي منحازة إلى الشر، وسأستسلم لإرادة الجسد "لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ رومية ١٣:٨ " ستموت الحياة التي أخذتها من الله. وأن كنت أقاوم كل يوم حرب الشرير، وسقطت في شيء ولكن هذه الخطية لا أريدها، وأرفضها، ومازلت مستمر في المقاومة "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ " ولأني ممسك بالحياة الأبدية "جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، 1 تيموثاوس ١٢:٦ " ولا أطيع الإثم، وبالروح القدس أسمر جسدي في الصليب وأميته، وصمدت بعمل الروح القدس في داخلي، فستكون النتيجة "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. غلاطية ٢٠:٢ "
لذا فالصراع الذي يحدث في السنوات الأولي من الإيمان، هذا أمر طبيعي، ولكن لابد أن أُبقي دائما إرادتي منحازة للمسيح، وضد أعمال الجسد، وهذا لا يستمر طويلاً، ولكن ليس معناه أن الحرب قد انتهت، ستبقي الحرب، ولكني غالب، وهو ما كتب عنه القديس مكاريوس الكبير وأسماها غلبة الأوجاع، ليس بهذه السرعة، ولكن بالصبر، وفي مرحلة تالية أحيا حياة الغلبة، مع استمرار الحرب، ثم تأتي المرحلة التي فيها أحيا حياة الغلبة والنصرة فأقول "وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 1 كورنثوس ٥٧:١٥ " إبليس كُسر وهُزم، ولكنه يتحين وجود فرصة "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. 1 بطرس ٨:٥ " إذًا حياة الإيمان تتطلب مني اليقظة والسهر، حتى إذا جاء لا يجد له عندي شيء له "لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. يوحنا ٣٠:١٤ " هذا هو مفتاح الغلبة، بأن أقدس إرادتي وأخضعها للروح القدس وأثبت في محبته، الإرادة الحرة التي تختار المسيح، وتتقوى بعمل وسلطان الروح القدس، فأميت أعمال الجسد "إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ. رومية ١٣:٨".
صلاة
أشكرك يا رأسنا المسيح، من أجل النور والحق، ومن أجل نعمة الاشتراك فيك، النعمة التي أعطتنا السلطان، كي نثبت في محبتك، ونغلب الشرير، أشكرك من أجل نور روحك القدوس الذي فتح أذهاننا لكيلا نجهل أفكاره، فيض بهذا النور، فيض بهذا الحب، وثبت شعبك وتلاميذك في محبتك، في الالتصاق بإرادتك، شدد الإرادة المنحنية، حررها من كل قيود الشرير، كي نثبت فيك بالمحبة، وتحيا أنت فينا، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ.
أمين