رسالة الراعي الصالح


دليلك الشامل لإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية

إن كنت ترغب في فتح أيّ مشروع خاصّ بك، فلا شكّ أنّك سمعت بأن الخطوة الأولى لذلك تتمثّل في إعداد ما يُعرف بـ "دراسة الجدوى الاقتصادية" أو الـ Feasibility Study باللغة الإنجليزية. ولعلّك تتساءل عمّا تعنيه هذه الدراسة وكيفية إعدادها.

هذا بالضبط ما سنعرفه في مقال اليوم، حيث سنضع بين يديك الدليل الشامل لإعداد دراسة جدوى اقتصادية ناجحة وفعّالة.

ما هي دراسة الجدوى الاقتصادية؟

دراسة الجدوى الاقتصادية هي كما يعبّر عنها الاسم، دراسةٌ مصمّمة للكشف عمّا إذا كان مشروع أو خطّة ما مُجدية وقابلة للتنفيذ. إنّها باختصار تقييم لإمكانية التطبيق العملي لخطّة/ مشروع مقترح.

تعتبر دراسة الجدوى الاقتصادية جزءًا من مرحلة التصميم الأولية لأيّ مشروع. حيث يتمّ إجراؤها للكشف بشكل موضوعي عن نقاط القوّة والضعف في أيّ مشروع مقترح أو قائم بالفعل. ويمكنها أن تساعد في تحديد وتقييم الفرص والتهديدات الموجودة في البيئة المحيطة بهذا المشروع.

بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه الدراسة في معرفة الموارد المطلوبة للمشروع وكذلك آفاق النجاح، فهي تُجيب غالبًا عن السؤالين التاليين:

  • هل تمتلك الشركة (الفرد) الموارد والتقنيات المطلوبة لبدء مشروع معيّن أو تنفيذ خطّة محدّدة؟
  • هل ستحصل الشركة (الفرد) على مردود عالٍ ومُجزٍ مقابل هذا الاستثمار؟

أهمية دراسة الجدوى الاقتصادية

يعتقد البعض أنّ إجراء دراسة جدوى اقتصادية سيؤدي إلى إحدى نتيجتين: إمّا قتل المشاريع أو إنجاحها. غير أنّ هذا الأمر ليس صحيحًا، فما تفعله دراسة الجدوى في الواقع هو أنّها تمنحك صورة أكثر وضوحًا حول ميزانيتك ونقاط قوّتك اللوجيستية كما تساعدك على تعديل نطاق مقترح مشروعك ليتوافق مع قدراتك.

ليس هذا وحسب، فقد ثبت أنّ لدراسة الجدوى الاقتصادية العديد من المنافع الأخرى مثل:

  • تسليط الضوء على فرص جديدة ربما لم تكن واضحة من قبل.
  • تعزيز وتقوية تركيز فريق العمل.
  • زيادة نسبة نجاح المشاريع.
  • رفع الوعي لاتخاذ قرارات أفضل بشأن المشاريع التي يتمّ تنفيذها.
  • توضيح متطلّبات المشروع.

خصائص و معايير دراسة الجدوى الاقتصادية

هناك مجموعة من الخصائص والمعايير التي تشكّل تقرير الجدوى، لعلّ أهمها الأسئلة الأساسية للجدوى. هذه هي الأسئلة الخمسة التي يجب أن تجيب عليها معظم دراسات الجدوى من أجل تبرير مشروع أو خطة عمل أو منهجية ما:

1- هل هذه الخطة مجدية من الناحية التقنية؟

هذا السؤال المبدئي سيساعدك على تحديد ما إذا كانت شركتك أو مشروعك تمتلك المصادر التقنية اللازمة لتنفيذ المشروع بنجاح.

ويشمل ذلك تقييم كلّ المعدّات والبرامج وغيرها من الأصول التقنية التي تمتلكها، ومن ثمّ تحديد ما إذا كانت تتوافق مع متطلّبات المشروع الذي تُقبل على تنفيذه أم لا.

2- هل هذه الخطة/ المشروع قانونية؟

هل تستوفي شركتك جميع المتطلبات والقوانين واللوائح اللازمة لإتمام هذا المشروع؟

لن ينجح مشروعك إطلاقًا إذا لم يستوفِ الحدّ الأدنى من الشروط القانونية اللازمة لتنفيذه، والتي تشمل كلّ شيء بدءًا من قوانين حماية البيانات ووصولاً إلى متطلّبات البناء.

وما لم تتمّ الإجابة عن هذا السؤال في دراسة الجدوى الاقتصادية، فلن يمرّ وقت كثير حتى تكتشف أنّ فريقك ربما ليس ملتزمًا ببعض القوانين والقواعد، أو ربّما أهملها دون علم منه الأمر الذي سيؤدي إلى ضياع الكثير من الوقت والموارد لاحقًا لحلّ هذه المشكلة.

3- هل هذه الخطة مجدية من الناحية التشغيلية؟

بمعنى آخر، هل سيتمكّن هذا المشروع من حلّ المشكلات التي ترجو أنت حلّها من خلال تنفيذه؟ هل هذا الحلّ موثوق ومستدام وذو تكلفة مقبولة؟

من غير المنطقي على الإطلاق إنفاق الوقت والمال والجهد في مشروع لا يرجّح أن يحقّق نتائج ملموسة ذات جودة عالية لفريق عملك أو شركائك.

4- هل هذه الخطة/ المشروع مجدية خلال مدة زمنية معقولة؟

يعدّ هذا السؤال من أهمّ الأسئلة التي يجب أن تطرحها في دراسة الجدوى الاقتصادية: هل تملك من الوقت ما يكفي لإتمام هذا المشروع؟

من المهمّ للغاية أن تُعدَّ جدولاً زمنيًا واقعيًا لتنفيذ مشروعك وإتمامه، وإلاّ فسوف تجدُ نفسك متخلّفًا عن مواعيد التسليم النهائية، أو قد تضطرّ للتضحية بجودة المخرجات من أجل إتمام العمل في الوقت المناسب.

5- هل هذه الخطة/ المشروع مجدية اقتصاديا؟

وهو السؤال الأهمّ والأكثر بداهة في دراسة الجدوى الاقتصادية.  من خلال الإجابة عن هذا السؤال ستحدّد ما إذا كان هذا المشروع سيوفّر القيمة المفترضة اللازمة لتبرير تكلفته أم لا. حيث يمكنك تقييم جدوى المشروع أو الخطّة من خلال عدّة عوامل تتضمّن الآتي:

  • ربحية المشروع (هل هو مربح أم لا؟)
  • التكلفة الإجمالية لإتمام المشروع.
  • الاستثمارات التقديرية من الأطراف الخارجية.

كيفية إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية

تعتبر دراسة الجدوى تحليلاً عميقًا لتحديد جميع العوامل التي ستسهم في نجاح المشروع أو فشله. وفي الوقت الذي تستطيع فيه أنت نفسك إعداد دراسة جدوى لمشروعك بنفسك، يبقى من الأفضل على الدوام أن تستعين بمتخصصين في هذا المجال.

لكن، لنفترض أنّك ترغب في البدء بمشروع صغير في مجال ما. يمكنك في هذه الحالة البدء بإعداد دراسة جدوى مبدئية قبل اللجوء إلى المختصّين، فيما يلي طريقة إعداد دراسة جدوى اقتصادية ناجحة في خمس خطوات:

الخطوة الأولى: قم بإجراء التحليل المبدئي

إعداد دراسة جدوى اقتصادية كاملة يستغرق بلا شكّ الكثير من الوقت والموارد، لذا، وبدلاً من الغوص مباشرة لإعداد تقييم مفصّل ومتعمّق، من المهمّ بداية أن تجري تحليلاً مبدئيًا تدرس في الوضع العام. يمكنك أن تعتبر التحليل المبدئي كاختبار أهلية يحدّد ما إذا كان يجدر بك فعلاً إجراء دراسة جدوى مفصّلة أم لا.

عند القيام بتحليل مبدئي، احرص على اتباع الخطوات الأساسية التالية:

1- قم بوضع مخطط عام للفكرة

حدّد كلّ شيء ترغب في تحقيقه من خلال تنفيذ هذا المشروع. واكتب الأسباب التي تجعل من الفكرة/ المشروع أو الخطّة أمرًا في غاية الأهمية لفريقك وشركتك وعملك بشكل عام.

2- قم بتقييم حالة السوق في هذا المجال

حاول العثور على أمثلة لمشروع مماثل لمشروعك في السوق، وتبيّن ما إذا كان الآخرون قد نجحوا في تنفيذه وإدارته.

3- اختبر مدى قدرتك على التقدم على منافسيك

فكّر في الأمر: ما الذي تستطيع فعله بشكل مختلف لتضمن نجاح فكرتك؟ هل لديك موهبة مميزة؟ موقع مميز؟ أو تقنية فريدة؟

4- حدد مخاطر المشروع

إدارة المخاطر هي جزءٌ مهمّ للغاية من عملية تقييم جدوى أيّ مشروع. لذلك عليك تقييم المخاطر لتحديد أيّ مشاكل أو قضايا قد تهدّد نجاحك.

بمجرّد الانتهاء من التحليل المبدئي، ستمتلك فكرة أفضل حول ما إذا كان يجدر بك الاستمرار في استكشاف جدوى مشروعك أم لا.

في حال لم تواجهك أيّ مخاطر تذكر عند إجراء هذا التحليل فذلك يعني أنّ الوقت قد حان للانتقال إلى الخطوة التالية، والبدء بإعداد دراسة جدوى متعمّقة.

الخطوة الثانية: قم بإنشاء مخطط نطاق المشروع

الآن وقد أصبحت لديك فكرة عامة وفهمًا مبدئيًا حول المشروع الذي تُقبل عليه، حان الوقت لإنشاء مخطط نطاق المشروع أو الـ Scope Outline.

يفصّل هذا المخطط أهداف المشروع مستعينًا بأسئلة الجدوى الخمسة (معايير الجدوى الاقتصادية) المذكورة أعلاه، وهي:

  • هل هذه الخطة مجدية من الناحية التقنية؟
  • هل هذه الخطة/ المشروع قانونية؟
  • هل هذه الخطة مجدية من الناحية التشغيلية؟
  • هل هذه الخطة/ المشروع مجدية خلال مدة زمنية معقولة؟
  • هل هذه الخطة/ المشروع مجدية اقتصاديا؟

بالاستعانة بهذه الأسئلة الخمسة، سوف تحدّد الخطوط العريضة لمبادئ المشروع الأساسية بما في ذلك الوضع الحالي أو المشكلة الحالية التي تسعى لحلّها، الأهداف التي تريد تحقيقها، التقديرات حول أثر المشروع وما تحتاجه لتحقيق هذا الهدف.

الخطوة الثالثة: قم بإجراء بحث حول السوق

وهو الاسم الأكثر شيوعًا الذي يصف هذه الخطوة، لكن لا تحتاج كلّ المشاريع إلى بحث حول السوق بالضرورة، ولا تدور جميع المشاريع حول منافسة أعمال ومشاريع أخرى.

قد يكون الهدف من بعض المشاريع، تحسين الأداء أو تجربة نهج إدارة جديد أو حتى استخدام برمجية جديدة لتنظيم وإدارة العمل في شركتك.

وعلى أيّة حال، فهذه الخطوة مهمّة للغاية في اكتشاف مدى جدوى مشروعك أو فكرتك. فأيّ طريقة أفضل لمعرفة ما إذا كان مشروعك سينجح من أن تدرس تجارب الآخرين في تنفيذه أو في تنفيذ مشاريع مشابهة.

ما هي أهمية إجراء بحث حول السوق؟

فيما يلي 5 فوائد أساسية لذلك:

  • تحديد والتعرّف على فرص السوق الأخرى لمشروعك (عملاء جدد، استخدامات إضافية، إلخ).
  • معرفة المزيد حول المنافسين بما ذلك ما يقدّمونه من منتجات، خدمات، وما يستخدمونه من خيارات تسويقية بالإضافة إلى قاعدة عملائهم والكثير غير ذلك.
  • معرفة المزيد حول سوق مشروعك بما في ذلك حجم واحتياجات عملائك المحتملين.
  • الخروج باستنتاجات حول ما إذا كان هذا المشروع قد نجح في الماضي، وقيمة تكلفته السابقة وشكل الأرباح التي حقّقها.
  • اكتساب معلومات حول أفضل سبل تنفيذ المشروع، مثل الإطار الزمني، طاقم العمل اللازم وحتى أساليب وأشكال الإدارة.

كيف تنفذ بحثا حول السوق؟

هنالك العديد من الطرق والوسائل التي يمكنك من خلالها إجراء بحث حول السوق، نذكر منها:

  • الجماعات المركّزة Focus Groups.
  • استطلاعات الرأي.
  • المقابلات الشخصية (مع العملاء، الخبراء...الخ).
  • ملاحظة ومراقبة الشركات الأخرى المنافسة.
  • متابعة منصات التواصل الاجتماعي وما يقوله المستخدمون حول مجال مشروعك.
  • معلومات الملكية العامة (البيانات والمعلومات المجانية غير المملوكة لجهة أو شخص معيّن).

الخطوة الرابعة: احسب تكلفة المشروع المالية

لم يبقَ الكثير لتُنهي دراسة الجدوى الاقتصادية الخاصّة بمشروعك، وقد وصلت الآن إلى خطوة حاسمة للغاية.

أيًّا كان نوع مشروعك، فالتكلفة الماديّة هي في الغالب ما يُحبط نجاحه ويحول دون تحقّقه على أرض الواقع. حيث يوجد العديد من العوامل المالية التي تحدّد جدوى مشروع أو خطّة معيّنة، لكن أهمّها تنحصر في الأسئلة التالية:

  • هل ستأتي مواردك المالية من داخل شركتك أم من مموّل خارجي؟
  • ما هي تكلفة الفشل المادية عند تنفيذ المشروع؟ (كما سيكلفك هذا المشروع من المال في حال فشله؟)
  • ما هي المخاطر التي ستفرض عبئًا ماليًا لا داعي له على ميزانية مشروعك؟
  • ما هي نقطة التعادل للربح حينما يتمّ تنفيذ مشروعك؟ (نقطة التعادل للربح: هي النقطة التي تكون عندها التكلفة والإيرادات متساوية فلا يوجد ربح أو خسارة).
  • كم من المال ستحتاج لإتمام هذا المشروع بما في ذلك المخاطر؟

احرص دومًا على إبقاء قانون مورفي في ذهنك أثناء إجراء تحليل لتكلفة المشروع المالية، لأنّ كل ما يمكن أن يكلفك مبالغ مالية، سيكلّفك بالفعل مبالغ مالية.

الخطوة الخامسة: قم بمراجعة الدراسة وقدم مخرجاتها للشركاء في المشروع

حان الوقت أخيرًا لتقييم كلّ عثرت عليه من معلومات وبيانات ومن ثمّ تقديمها للشركاء في المشروع أو العملاء أصحاب العلاقة.

تأكّد هنا من أنّ النتائج التي توصّلت إليها تُقدّم إجابات وافية عن المعايير الخمسة لدراسة الجدوى الاقتصادية، وفي حال كانت الإجابة عن جميع هذه الأسئلة بالإيجاب، فذلك يعني أنّ المشروع أو الخطة مجدية اقتصاديًا وتستطيع البدء بتنفيذها.

لكن إن كان هناك بعض المشكلات أو العوائق في جانب أو أكثر من جوانب الدراسة فذلك لا يعني أنّه عليك التخلي عن المشروع كاملاً، بل ربما هي فرصة لك لتُعيد تقييم نهجك وميزانيتك كي تتناسب أكثر مع شركتك.

وهكذا فقد أصبحت دراسة الجدوى الخاصّة بمشروعك جاهزة. ويمكنك بناءً عليها اتخاذ القرار بالمُضي قدما في المشروع أو العدول عنه أو إجراء بعض التعديلات على مختلف جوانبه قبل الاستمرار فيه.

الأكثر مشاهدة