رسالة الراعي الصالح


محطات الطاقة النووية: كيف تعمل؟

تقف محطة الطاقة النووية على الحدود الفاصلة بين أعظم آمال الإنسانية وأعمق مخاوفها من المستقبل. فمن جهة، توفر الطاقة الذرية بديلًا نظيفًا للطاقة يحررنا من أغلال الاعتماد على الوقود الأحفوري. ومن ناحية أخرى، فإنها تستحضر صورًا كارثية؛ منها صور محطات الطاقة النووية في اليابان التي دمرها الزلزال مما تسبب في تسرب البخار المشع، أو صور المنطقة الميتة المحيطة بتلك التي باتت تابوتًا خرسانيًّا في تشيرنوبل.

وكان قد تم توليد الكهرباء باستخدام مفاعل نووي لأول مرة على الإطلاق في 20 ديسمبر 1951 في محطة التجارب EBR-I بالقرب من أركو بولاية أيداهو في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي 27 يونية 1954، تم تشغيل أول محطة طاقة نووية في العالم تقوم بتوليد الكهرباء لشبكة كهربائية، وذلك في أوبنينسك في الاتحاد السوفيتي. وقد تم افتتاح أول محطة طاقة نووية على مقياس تجاري في العالم في قاعة كالدر في إنجلترا في 17 أكتوبر 1956.

وبناءً على الإحصائيات فإنه اعتبارًا من 1 مارس 2011 هناك 443 مفاعلًا نوويًا حول العالم في 47 دولة مختلفة. ففي عام 2009 فقط، كانت الطاقة الذرية وراء 14% من إجمالي إنتاج الكهرباء في العالم. ولكن ما الذي يحدث داخل محطة الطاقة النووية حتى يجلب تلك المعجزة - وذلك الشقاء -إلى الوجود؟

محطات الطاقة النووية تلخيصًا

عادة ما تُعرف الطاقة النووية بأنها جزءًا من الطاقة الموجودة في نواة الذرة، والذي يمكن أن ينطلق من خلال الدمج أو الانشطار أو التحلل الإشعاعي. ويعني المصطلح "الطاقة النووية" استخدام الانشطار النووي المستدام لتوليد الحرارة حتى تُستخدم لتوليد الكهرباء.

وقد بدأت فكرة الذرة على يد الفيلسوف اليوناني ديموقريطس، والذي قال أن جميع المواد تتكون من جسيمات صغيرة أطلق عليها مصطلح "ATOMOS"، وهي كلمة يونانية تعني "غير مرئية"؛ إلا أنه لم يتمكن من إثبات وجودها. ومع ذلك، فبعد عدة قرون، تمكن غيره من العلماء من إثبات هذا الأمر، وقد أصبح ذلك الاكتشاف رائدًا لحركة الطاقة النووية، والتي طالما كانت مثار جدل ونقاش منذ ذلك الحين.

تُستخدم الطاقة النووية في منشأة تُعرف باسم "المفاعل النووي"؛ وهي بيئة مصممة للمبادرة بالبدء في سلسلة من التفاعلات النووية المستدامة والتحكم بها. ومحطة الطاقة النووية هي عبارة عن محطة طاقة حرارية؛ حيث يكون مصدر الحرارة بها هو المفاعل النووي. وكما هو الحال في جميع محطات الطاقة الحرارية التقليدية، يتم استخدام الحرارة لتوليد البخار، والذي يقوم بتشغيل التوربينات البخارية المتصلة بالمولدات التي تنتج كهرباء.

عادةً ما تُعتبر محطات الطاقة النووية محطات حمل أساسي؛ مما يعني أن كمية صغيرة جدًّا من الوقود بإمكانها أن تنتج الكمية المطلوبة من الطاقة، وبالتالي يُعتبر الوقود جزء صغير من تكلفة الإنتاج، في حين تكمن تكلفة الإنتاج الرئيسية في بناء المرفق ذاته وتشغيله.

محطات الطاقة النووية تفصيلًا

تخيل أنك تتبع فولت من الكهرباء بصورة معكوسة من خلال مقبس في الجدار، وعبر أميال من أسلاك الكهرباء وصولًا إلى المفاعل النووي الذي قام بتوليدها. في هذه الرحلة سوف تلتقي بالمولد الذي أنتج الشرارة والتوربين الذي قام بتشغيلها، ومن ثمَّ سوف تجد البخار الذي يشغل التوربين، وفي النهاية تصل إلى حزمة اليورانيوم المشعة التي تقوم بتسخين الماء إلى بخار في قلب المفاعل.

يعمل الماء الموجود في المفاعل بمثابة مبرد للمواد المشعة، مما يمنعها من التسخين الزائد والذوبان. في مارس 2011، أصبح المشاهدون في جميع أنحاء العالم يعرفون هذا الواقع جيدًا عندما فر عشرات الآلاف من المواطنين اليابانيين هاربين من المنطقة المحيطة بالمحطة النووية فيوكوشيما-دايتشي، وذلك عقب أحد أقوى الزلازل على الإطلاق وبعد أن ألحق التسونامي الذي تبعه أضرارًا خطيرة على المحطة وعدد من وحدات مفاعلها. فمن بين الأحداث التي جرت، تسرب الماء من قلب المفاعل، وبالتالي أصبح من المستحيل التحكم بدرجات الحرارة الرئيسية، مما أدى إلى انصهار جزئي للمفاعل النووي.

وتتم عملية التحويل إلى الطاقة الكهربائية بشكل غير مباشر، كما هو الحال في محطات توليد الطاقة الحرارية التقليدية. فتنتج الحرارة عن طريق الانشطار داخل المفاعل النووي؛ حيث يتم إنتاج بخار ماء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ثمَّ يتم تغذية توربينات البخار متعددة المراحل بالبخار المضغوط.

تُعتير توربينات البخار في محطات الطاقة النووية التقليدية من أكبر توربينات البخار على الإطلاق. فبعد أن تتوسع توربينات البخار وتقوم بتكثيف البخار بشكل جزئي، يتم تكثيف باقي البخار في مكثفات – وهي عبارة عن مبادلات حرارة موصلة إلى جانب ثانوي مثل النهر أو برج التبريد. ومن ثمَّ يتم ضخ المياه مرة أخرى إلى المفاعل النووي؛ حيث تبدأ الدورة من جديد. وتتوافق دورة الماء والبخار مع ما يُعرف عند المهندسين باسم "دورة رانكين".

ولتبسيط الأمور، دعونا نقول أن الجزء الأساسي في محطة الطاقة النووية هو المفاعل النووي، وأن الجزء الأساسي في المفاعل النووي هو "قلب المفاعل"؛ حيث يوجد الوقود النووي – اليورانيوم على سبيل المثال. ويوضع الوقود في قلب المفاعل في هيئة قضبان من الوقود يتم ترتيبها مع ما يُسمى "قضبان التحكم"، والتي تسيطر على معدل التفاعل سيطرة محكمة.

عند بدء تشغيل المفاعل، يحدث تفاعل الإنشطار النووي – وهو تفاعل تسلسلي – ويتم التحكم في معدل حدوث هذا التفاعل بحيث لا تزيد سرعته أو تقل عما يجب أن تكون عليه، وكذلك تكون كمية الطاقة الحرارية التي يولدها هذا التفاعل محسوبة ويتم التحكم بها بدقة. ومن أجل الحفاظ على قلب المفاعل في نفس درجة الحرارة، يجب أن يقوم تيار متواصل من المياه الباردة بامتصاص الحرارة الناتجة عن التفاعل.

وبمجرد أن تمتص المياه الحرارة الناتجة عن التفاعل، تتحول إلى بخار فائق الحرارة، والذي يتم سحبه من المفاعل ليدخل إلى توربينات البخار؛ حيث يقوم البخار – على درجة حرارة وضغط مرتفعين - بتدوير شفرات التوربين على سرعة عالية، مما يحول الطاقة الحرارية إلى طاقة حركية مفيدة. فيقوم التوربين على التوازي بتشغيل مولد الكهرباء – والذي يكون موضوع على نفس المحور – ويقوم المولد بتحويل الطاقة الحركية إلى كهرباء.

فإذا حدث التفاعل التسلسلي بشكل أسرع من اللازم، يصبح من الممكن توليد المزيد من الحرارة يصعب على المياه حملها بعيدًا. وإذا حدث أمر ما أثناء عملية التبريد، من الممكن أن تزداد سخونة قلب المفاعل بحيث أنها قد يبدأ في الذوبان. وبمجرد أن يذوب قلب المفاعل يستمر التفاعل التسلسلي بشكل غير منضبط، وبالتالي سوف ترتفع درجات الحرارة أكثر ويذوب قلب المفاعل عبر الخرسانة والحديد، وإذا ازداد الأمر عن ذلك قد يصل إلى التربة.

في حالة حدوث ذلك فسوف ينتشر قلب المفاعل المنصهر إلى الأماكن المحيطة – طبقات الأرض على سبيل المثال- حتى يخفف بما فيه الكفاية بفعل ذلك؛ فيصبح التفاعل التسلسلي بطيئًا. وعندما يبرد قلب المفاعل، يبرد الجسم بأكمله حتى يتصلب؛ ولكنه سيظل يحتفظ بحرارته الإشعاعية لسنوات طويلة. هذا الإنصهار هو ما حدث في تشيرنوبل في أوكرانيا في عهد الاتحاد السوفييتي سابقًا، وقد قُتل الكثير من الناس جرَّاء الإشعاع المرتفع، كما تسبب الغبار المشع في تلويث الأرض المحيطة بالمفاعل.

الأكثر مشاهدة