الحيتان تتناقص وكوكب الأرض في خطر
- ثقافة
- Aug 30, 2025

تشتهر الحيتان بكونها أكبر المخلوقات في المحيطات وأذكاها، وهي تجول جميع محيطات العالم، وتتواصل بأصوات معقدة وغامضة. تتميز بعض أنواع الحيتان بحجمها الهائل، فيمكن أن يتعدى طول الحوت الأزرق –أكبر مخلوقات الكوكب– الـ30 مترًا، وأن يبلغ وزنه 200 طن. تنتمي الحيتان إلى رتبة الحيتانيات من طائفة الثدييات، وتضم تلك الرتبة الحيتان، والدلافين، وخنازير البحر. ومن أهم الأشياء المشتركة بين تلك الأنواع أنها جميعًا بحاجة إلى مساعدتنا.
أدت الثورات الصناعية والمنافع الاقتصادية للبشرية إلى تصويب سهام الخطر المحقق نحو الحيتان؛ إذ أُدرجت أكثر من نصف الأنواع بالقائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض في أواخر القرن الماضي، بما في ذلك الحيتان الحدباء، والزرقاء، وحيتان الزعنفة، وحيتان الصائبة الجنوبية. فما أثر هذا الخطر في البيئة؟ وكيف يمكن التصدي له والحفاظ على قيمة طبيعية هائلة داعمة للبيئة؟ لنستكشف هذا في السطور التالية.
دور الحيتان في حماية الأرض
تؤدي الحيتان دورًا مُهمًّا في دعم النظام البيئي البحري، والتصدي لتغيرات المناخ، والحفاظ على الغلاف الجوي وصحة المحيطات. فتوفر فضلات الحيتان الغنية بالحديد والنيتروجين الغذاء اللازم للعوالق النباتية، التي تمتص 40٪ من إجمالي ثاني أكسيد الكربون على كوكب الأرض.
علاوة على هذا، تختزن أجسام تلك الثدييات البحرية العملاقة قرابة 33 طنًّا من ثاني أكسيد الكربون للحوت الواحد، وهو ما يعادل 1.500 ضعف متوسط ما تمتصه شجرة كل عام. تقدر هذه الخدمة الاقتصادية بقيمة تريليون دولار أمريكي. إن قدرة الحيتان على احتجاز الكربون مذهلة حقًّا، إذ يتراكم الكربون في أجسامها الضخمة خلال حياتها الطويلة، التي يمتد بعضها إلى 200 عام. ثم تموت الحيتان وتغرق في قاع المحيط حاملة معها أطنان من انبعاثات الكربون بشرية المنشأ. ببساطة، نحن بحاجة إلى مزيد من الحيتان في المحيطات. فكلما زاد عدد الحيتان، قلت كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتمتعت المحيطات وجميع الأنواع البحرية بصحة أفضل.
لماذا تتناقص الحيتان؟
يُقدر الباحثون أن قدرة الحيتان الطبيعية على اختزان الكربون قد انخفضت بنحو 9 ملايين طن، وهذا نتيجة لعدة أسباب أبرزها الصيد التجاري للحيتان الذي قتل نحو ثلاثة أرباع أعدادها الموجودة بنهاية القرن الماضي. ويمكن أيضًا لتصادمات السفن الضخمة بأجساد الحيتان أن تكون قاتلة. ويتمثل التهديد الأكبر للحيتان في الصيد العرضي، وخطر الوقوع في شراك معدات الصيد الضخمة، التي تجبرها على جرِّ معدات الصيد الثقيلة لمسافات طويلة، مما يستهلك طاقتها، ويقلل من احتياطيات الدهون التي تحتاجها للتكاثر، ويجعلها أكثر عرضة للإصابة بمجموعة من الأمراض.
يضع تشابك الحيتان المتكرر في معدات الصيد إناث الحيتان أمام تحديات إنجابية أيضًا. فقد أثبتت دراسة نُشرت في دورية «كَرنت بيولوجي» Current Biology –اختصت حوت شمال الأطلسي الصائب– أن معدات الصيد قد تعلق حول أجسام الحيتان وتعوق نموها لتؤدي إلى انكماش حجمها. وقد أفضى ذلك إلى انخفاض معدلات المواليد في السنوات الأخيرة؛ فتحتاج أنثى الحوت أن تكون بالحجم المناسب للتكاثر وإرضاع الصغار. وحتى إن نجحت الحيتان في إنجاب نسل، فإنها تنجب عجولًا أضعف وأقصر بنحو مترٍ عن حجمها الطبيعي، ما يقلل فرصتها في البقاء.
وقد أكد جوشوا ستيوارت الباحث البحري المشارك في الدراسة في إفادته لجريدة الجارديان أنه شاهد صورًا لحيتان تبلغ من العمر 10 سنوات لها حجم حيتان تبلغ عامين، ما يثبت أن تلك الحيتان أضحت ضعيفة النمو.
تتناقص أعداد الحيتان أيضًا نتيجة للتغيرات السريعة في درجة حرارة البحار والمحيطات، بالشكل الذي لا يعطي الوقت الكافي لبعض مجموعات الحيتان للتكيف على المناخ الجديد، بالإضافة إلى زيادة حموضة مياه البحر، وتلوث المياه، وانخفاض مصادر الغذاء الذي يُعدُّ دافعًا لرحلات الهجرة الطويلة، التي بدورها تعرض الحيتان لمزيد من التهديدات.
جهود وسياسات الحماية
منذ نهايات القرن الماضي، تبذل عدة دول حول العالم جهودًا حثيثة لحماية أنواع الحيتان والحفاظ عليها من خطر الانقراض. وقد نجحت تلك الجهود بالفعل في حذف بعض الأنواع من قائمة الأنواع المهددة بالانقراض. وما زالت المساعي قائمة من خلال الضغط على الحكومات وصانعي السياسات، لاتخاذ الإجراءات وزيادة التوعية بالدور الذي تؤديه الحيتان في استعادة صحة المحيطات وحياة الكوكب.
تشجع برامج منظمات الحماية إنشاء آليات مالية لتعزيز استعادة أعداد الحيتان في العالم، من خلال دعم محميات الحيتان، ومراقبة الحيتان، وتتبع بيانات النمو والتكاثر الطبيعية. وتباشر الحكومات جهودها في التصدي للتهديدات الكامنة للسفن الكبيرة وموانئ الصيد، وفرض العقوبات الشديدة لتحريم قتل الحيتان أو جرحها.
يمكننا أيضًا على المستوى الشخصي إجراء تغييرات صغيرة في حياتنا سيكون لها تأثير مهم، منها تقليل كمية البلاستيك المستخدمة يوميَّا، أو استخدام السيارة بشكل أقل، أو ترشيد استهلاك الكهرباء. فمن شأن تلك السلوكيات البسيطة أن تحدث تغييرًا كبيرًا إلى الأفضل في حال البيئة من حولنا.