رسالة الراعي الصالح


عهد الحب: دعوة للاتحاد الإلهي وترك الذات | بقلم: الأم إيفون لولريا

تُعد العلاقة بين المؤمن وخالقه رحلةً من الحب الفائق والالتزام العميق، وهو ما يَبرُز بوضوح في "عهد الشركة". هذا العهد ليس مجرد اتفاق قانوني، بل هو اتحاد كياني كامل يشمل النفس والروح والجسد، مبني على محبة الله التي بدأت من الصفر لتُجمل الإنسان وترفعه إلى رتبة الملوك.

من العري إلى الزينة الإلهية
نستحضر صورة رمزية قوية من سفر حزقيال، تصف حال النفس البشرية قبل تدخل الله؛ كانت "مدوسة بدمها" وعريانة، فمر بها الرب وستر عورتها واحبها ولم يكتفِ بالإنقاذ، بل غسلها بالماء ومسحها بالزيت وألبسها الكتان، ووضع "تاج جمال" على رأسها، فصارت تصلح لمملكة. هذا الجمال ليس نابعًا من الإنسان، بل هو "بهاء الله" الذي وضعه عليها، مما جعل اسمها يخرج بين الأمم.

التجسد: الطريق نحو التأليه بالنعمة
إن سر التجسد الإلهي هو المحور الذي يدور حوله هذا العهد؛ فالله أعطانا ابنه لكي نحيا به، "بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ." (1 يو 4: 9).

والكلمة صار جسدًا ليحل فينا ويتحد بكياننا. "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو 1: 14).
الهدف الأسمى من هذا التجسد، هو أن يؤله الإنسان. بينما تأله جسد يسوع المسيح بالجوهر، فإن المؤمنين مدعوون للتأليه بالنعمة، ليصبحوا شركاء الطبيعة الإلهية. "اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ." (2 بط 1: 4).

هذا الاتحاد يتطلب صبغة من الروح القدس، تتغلغل في الكيان حتى يصبح لون المؤمن وحياته كشكل وحياة الرب يسوع المسيح.

ثمن العهد: بذل الذات والطاعة المطلقة
الدخول في هذا العهد يعني أن المؤمن صار للرب. ولكن هذا الانتماء يتطلب استجابة عملية تتمثل في سكب القارورة؛ أي بذل الذات بالكامل.

إن الكثيرين يخشون هذا التسليم بسبب تمسكهم بـ "الذات" أو "الكرامة" أو "العالم"، لكن الإنجيل واضح: من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية. "مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ." (يو 12: 25).

إن الطاعة هي الاختبار الحقيقي لهذا العهد، وهي لا تكتمل إلا إذا كانت بنسبة 100%. الصليب ليس مجرد ذكرى، بل هو واقع مُعاش في البيت والعمل والكنيسة، حيث يقبل المؤمن أن "يُداس عليه" أو "يُظلم" في سبيل إتمام الوصية. 

التحرر من قيود العالم والروح النجس
لكي تصبح النفس عروسًا حقيقية، يجب ألا يكون لإبليس فيها شيء. فالاتحاد مع فكر إبليس أو مشاعره أو روح النجاسة يُعد خيانة للعريس السماوي. لذا، فإن المؤمن مدعو لاستلام قوة القيامة التي تبطل سلطان الخطية وتجدد الذهن، وهي قوة تُمنح لمن قاوم ورفض إبليس إلى أقصى مدى وتمسك بطاعة صوت الروح القدس.

النضج الروحي: "وإن أحببتم الذين يحبونكم، فأي فضل لكم؟"
تصل ذروة النضج الروحي في هذا العهد عندما يستطيع المؤمن أن يحب المسيئين إليه وليس الأشخاص الذين يحبونه. إن قبول أخطاء الآخرين وتعبهم بسرور هو علامة النضج الروحي، لأن من يثبت في المحبة يثبت في الله. "وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي للهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ." (1 يو 4: 16).

خاتمة
إن الرب يدعونا لعهد طاعة وقداسة، ويدعونا لترك كل ما نتمسك به من أشياء أو أشخاص لكي نتمسك به وحده. يمكن فهم هذا العهد من خلال تشبيه الصبغة والقماش؛ فالإنسان كقطعة قماش توضع في صبغة الروح القدس، وكلما استسلمت القماشة للصبغة وتغلغلت فيها، فقدت لونها القديم واكتسبت لون الصبغة تمامًا، حتى لا يعود يُرى القماش بل يُرى لون الصبغة فقط. وعندما نضع إرادتنا في وفاق مع إرادته، يتحول الصليب إلى مجد، وتنسكب محبته في قلوبنا لنرد له الحب بالحب.

"وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا." (رو 5: 5).

الأكثر مشاهدة