حياة هدفها | بقلم: الأم أيفون لوريا
- حياة الإيمان
- Nov 30, 2025
معرفة المسيح الحقيقية… طريق الحياة والاتحاد الإلهي
لقد آن الأوان لكل واحد منّا أن يعرف المسيح معرفة حقيقية؛ لا معرفة سطحية، ولا مجرّد إلمام ذهني، ولا سماعًا من كاهن أو خادم، بل معرفة شخصية حيّة، تضع الإنسان وجهًا لوجه أمام الرب، فيختبره قلبًا وفكرًا وروحًا. فالمسيح ليس فكرة تُناقش، ولا معلومة تُحفظ، بل هو الحياة ذاتها، وهو النور الذي يبدّد كل ظلمة.
المسيح: النور المولود من النور
إن الكتاب المقدّس يعلن الحقيقة بوضوح قائلًا: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1 تي 3: 16).
فالمسيح هو شعاع نور الله الأزلي. الله نور، وليس فيه ظلمة البتّة، والمسيح هو النور المولود من النور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق. وقد شهد الملاك للعذراء مريم قائلًا : "فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." (لو 1: 35).
وهكذا ظهر ابن الله في الجسد ليُظهر الحياة الإلهية، ويقدّمها للبشر الساقطين في الموت.
كيف تصل الحياة الإلهية إلى الإنسان؟
الإنسان، بعيدًا عن الله، يعيش في موتٍ روحي، في عبودية، في فساد داخلي، في هزيمة متكرّرة. ولذلك يقول الرسول: "فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا." (1 يو 1: 2).
كانت هناك حاجة لأن تتجسّد الحياة، وأن يظهر النور في الجسد، لكي يدخل المسيح إلى طبيعتنا، ويقدّم لنا طريق الخلاص والشفاء والتجديد. فحين نقبله، تدخل الحياة إلى أعماقنا، فتبدّد الموت والفساد.
الحاجة إلى الاتحاد بالمسيح
لا يكفي الإيمان النظري، ولا المعرفة الذهنية، ولا ترديد الحقائق. فالمسيح قال: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ." (يو 1: 12).
القبول هو فتح القلب، وفتح الكيان، وإتاحة المجال للمسيح أن يدخل ويملك ويغيّر.
عندها يصير الإنسان شريكًا للطبيعة الإلهية، ويتجدّد قلبه وفكره ولسانه وسلوكه.
وهذا ما أكّده الآباء، إذ قال القديس غريغوريوس النزينزي:
“الخلاص هو الاتحاد بالمسيح، بالكلمة ابن الله؛ وما لم يتحد به الإنسان لا يخلُص نفسًا ولا روحًا ولا جسدًا.”
الموت الروحي… علاماته وآثاره
الموت الروحي ليس سقوط الجسد ميتًا، بل الانفصال عن الله. فالكتاب يقول: "وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا،" (أف 2: 1).
وللموت الروحي أعراض واضحة تظهر في الإنسان:
- ضيق مستمر
- تذمّر وغضب
- كآبة وحزن
- ظلمة ذهنية
- جهل روحي
- شهوات وأفكار دَنسة
- عجز عن المحبة والغفران
وقد قال الرسول بولس: "إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ." (أف 4: 18).
كل هذه العلامات تكشف حاجة الإنسان الماسّة إلى المسيح، الحياة الحقيقية.
اتحاد يبدّل الكيان كله
الاتحاد بالمسيح ليس مجرّد تعبير روحي، بل هو حقيقة كتابية: "وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ." (1 كو 6: 17).
كما يلتصق الرجل بامرأته فيكونان جسدًا واحدًا، هكذا يلتصق المؤمن بالمسيح.
ويقول الكتاب:
"الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ." (كو 1: 27).
"مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي." (غل 2: 20).
"لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ،" (أف 3: 17).
والاتحاد هو الذي يغيّر:
يبدّل القلب، ينوّر الفكر، يطهّر اللسان، يحرّر من العبودية، ويمنح الإنسان سلامًا داخليًا عميقًا.
التحوّل الروحي… رحلة تبدأ بالتوبة
حين يتوب الإنسان بصدق، ويعترف بخطيئته أمام الرب، تحدث النقلة الحقيقية:
– ثقل القلب يرتفع
– نور المسيح يشرق
– الذهن يتفتح
– القلب يمتلئ سلامًا
– تبدأ علاقة حقيقية مع المسيح، علاقة محبة وطاعة وتبعية
ومن هنا يبدأ النمو الروحي، وهو أن نغلق الباب أمام إبليس والخطيئة، ونفتح القلب للروح القدس ليملأ ويجدّد.
أما من يعيش دون توبة، دون طاعة للوصية، دون شركة يومية مع الله، فلن يعرف النمو الروحي، ولن يختبر القوة المنتصرة.
الحرب الروحية ودور الإرادة
قال المسيح:
"وَلكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ، وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ." (لو 11: 22).
والمسيح هو الأقوى، الذي جرد إبليس من سلطانه.
ولكن للإنسان دور:
"فَاخْضَعُوا للهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ." (يع 4: 7).
فلا يجوز أن نترك الباب مفتوحًا للخطية.
إمّا أن أكون تحت سلطان المسيح والدم، أو أترك نفسي تحت سلطان الخطيئة والشرير.
ولذلك، إذا تعطّل الرزق أو العمل أو العلاقات، فالإنسان يفحص قلبه:
هل هناك عدم غفران؟
جراح؟
غضب؟
شهوة؟
فحين تُنزع الخطيئة، تنكسر يد إبليس.
الصلاة من أجل التحرير والتجديد
وفي ختام الرسالة، نرفع قلوبنا للصلاة، طالبين الرحمة والخلاص والتحرير:
يا رب يسوع المسيح، نشكرك لأنك المخلّص والمحرّر.
اغسل قلوبنا بدمك، وحررنا من كل قيد، واملأنا بروح التوبة،
واكسر أعمال الشرير في حياتنا،
وأشرق علينا بنور وجهك،
وأدخل بيوتنا بسلامك،
واجعلنا ثابتين فيك،
لأن الخلاص فيك، والحماية فيك، والحرية فيك.
آمين.