رسالة الراعي الصالح


الروح القدس | بقلم: الأم ايفون لوريا

"«وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا. وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ. «إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ»." (يو 16: 5-16).

الروح القدس هو الله. ومادام أتحدث عن الروح القدس، فيلزم أن أتحدث عن الثالوث.

الثالوث ليس فيه انقسام. هو جوهر واحد، طبيعة واحدة. الآب والابن والروح القدس واحد. وكلمة أقنوم تعني شخص غير مستقل بذاته يتكامل في آخر.

وقد جاء القديس أثناسيوس وطوّرها وقال: "ثلاثة أنوار في نور واحد أو ثلاثة شموس في شمس واحدة". الآب والابن والروح القدس. لكن هناك تميُّز فيهم؛ فالآب غير الابن غير الروح القدس، لكنهم الثلاثة واحد.

الروح القدس منبثق من الآب ذاهبًا إلى الابن. هو منبثق من الآب في الابن. وفي نفس الوقت، الابن والروح القدس راجعان إلى الآب. دائرة الثالوث مغلقة هكذا. الروح القدس هو روح الآب والابن في حضن الآب. للثالوث عمل واحد في كل شيء: في الخليقة وفي الفداء وفي كل أمر. الثلاثة يعملون معًا: كل شيء يأتي من الآب بالابن في الروح القدس.

الروح القدس هو صورة الابن، والابن هو صورة الآب غير المنظور. الروح القدس هو الوسيلة التي تربطنا بالآب. علاقتي بالآب، علاقتي بالله، تتم بالروح القدس. لماذا؟ لأن الروح القدس يتعامل مع روحي، إذ أنا بداخلي روح. الروح القدس هو الوسيلة، وسيلة التواصل بيني وبين الله.

الروح القدس هو روح الابن لأنه منبثق من الآب في الابن. فهو شيء واحد داخل الآب وداخل الابن. الروح القدس يُوحّدني بالمسيح، بابن الله. هو الذي يوحدني بالابن، والابن يوحدني بالآب. الروح القدس يخترق روحي ويوحدني بالابن. والابن قد حلّ فيه الآب بالفعل.

كيف يخلص الإنسان؟ يكون ذلك بواسطة الكلمة، كلمة الله. ولكن الكلمة منطوقة بماذا؟ بالروح القدس.

عمل الروح القدس ليس هذا وحسب. بل إنه يُبكِّت الإنسان. له عمل في أنه يصل بالإنسان للمسيح. يُبكّته على خطية وبِرّ ودينونة. وأيضًا يُعلن له المسيح. يفتح عينيه لكي يرى المسيح ابن الله. لأنه "لا يقدر أحد أن يقول: المسيح رب إلا بالروح القدس".

"لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ." (1 كو 12: 3).

الروح القدس يأتي ويدخل بذرة الحياة في داخل الإنسان. فيأخذ الحياة الجديدة، وهذا هو الخلاص. بَكَّت وأعلن المسيح. وتكلم أيضًا في الخادم بالروح القدس لكي يوصل الكلمة.

 

إلى كل خادم: الخادم يجب أن يعلم أن الروح القدس هو الذي يُرسلك. هو الذي يُؤيّدك. هو الذي يمنحك الكلام عند افتتاح الفم. هو الذي يمسحك. هو الذي يقودك ويرشدك. هو الذي يملأك. هو الذي يُنوّرك. لهذا يجب أن تعرف أن كل شيء منه.

مكتوب: "من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه، لكن من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم".

"مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ." (يو 7: 18).

الذي يتكلم من نفسه ولم يأخذ من الروح القدس سيطلب مجد نفسه. لكن الذي يأخذ من الروح القدس وواثق أن العمل من يد الله. "ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا".

"لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ." (أع 1: 8).

ولهذا قال الإنجيل: لا تفتخر بل خَف، لا تتكبر، لا تنتفخ.

"حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ!" (رو 11: 20).

كل هذا عمل الروح القدس.

العمل الثاني للروح القدس هو أنه يمنح الاستنارة. وهذه نقطة مهمة جدًا. الروح القدس هو روح الحكمة، هو روح الفهم وروح الاستنارة.

الاستنارة كأنها إشراقة نور آتية من حياة الله، من مجد الله، تخترق عقلي. نور من عنده يخترق عقلي وذهني. يعمل ومضة نور،وإشراقة نور.

الاستنارة نوع من الرؤية الإلهية لكن في بدايتها. وهي التي تُصيِّرنا شركاء الطبيعة الإلهية. الرسول بولس يصلي من أجل أهل أفسس: "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته".

"كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ،" (أف 1: 17).

و"مستنيرة عيون أذهانكم". لماذا؟ "لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين".

"مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ،" (أف 1: 18).

الاستنارة هذه ستساعدنا لكي نعرف "غنى مجد ميراثه في القديسين". لأُدرك أنني ابنه وأنني وارث. لأننا كثيرًا ما نعيش بروح العبودية للخوف، وليس بروح التبني الذي به نصرخ: "يا أبا الآب".

"إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ»." (رو 8: 15).

لهذا مكتوب: "تلذذ بالرب يعطيك سؤل قلبك".

"وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ." (مز 37: 4).

أنت محتاج أن تُدرك أن الآب أحبك كما أحب ابنه. ألم يقل المسيح في صلاته الشفاعية: "أحببتهم كما أحببتني"؟

"أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي." (يو 17: 23).

كل ما للآب دفعه للابن. وكل ما للابن دفعه لنا. وإلا فَلِمَ نعيش فقراء؟. هذه الاستنارة ستُريك مكانتك وميراثك وكل هذا.

النقطة الثالثة طبعًا هي أن الروح القدس هو الذي يشفع فينا. هو روح الشفاعة. لا نعلم لأجل ماذا نصلي كما ينبغي.

"وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا." (رو 8: 26).

لكنه هو الذي يضع على قلوبنا الصلاة. الصلاة هي استجابة بشرية لمشيئة إلهية. الصلاة تبتدئ من الرب لا مني.

الروح القدس يضع على قلبي طلبات بحسب احتياجي وبحسب احتياج الآخرين. لو أنا ما عرفتش مشيئة الرب وطلبتها فلن تتحقق لي. يجب أن نطلب مشيئته لكي تتحقق في حياتنا. مشيئته أن نتقدس. مشيئته أن نخلص. مشيئته أن يعمل هذا في بيوتنا وفي عائلتنا.

كما أننا نُكلِّم الناس عن الله، يجب أن نُكلِّم الله عن الناس. وهذا هو الذي يأتي بالنتيجة. ولهذا من الهام جدًا أن نستمر في عمل المذبح العائلي في بيوتنا. البيت الذي فيه مذبح وصلاة، لا بد أن تحدث فيه آيات ولا بد أن تحدث فيه استجابات. المذبح العائلي في البيت هو الذي سيبني البيت 

العمل الأخير للروح القدس هو في أنه يغيرنا لصورة المسيح والامتلاء منه. ما هو الامتلاء من الروح القدس؟ قال أحد القديسين: "هو حالة خضوع من جانب الإنسان للروح القدس". وحالة امتلاك وتسيُّد للروح القدس على جسدي، على فكري، على أعماقي، على إنساني الداخلي. وكلما زاد خضوعي وعطشي له، زاد امتلاكه ومِلؤُه لي.

ليس هناك طريقة للامتلاء بالروح القدس إلا الخضوع والطاعة له. الملء بالروح القدس غير قبول الروح القدس. الامتلاء بالروح القدس يستمر طول الحياة وطول الأبدية. كلما زادت طاعتك وزاد خضوعك، زاد امتلاكه وملؤه لك.

الروح القدس صِبغة. يصبغني بحياة المسيح. يسكب المحبة في قلبنا. يأخذ مما للمسيح. ينقل لي قداسة المسيح ومحبة المسيح واتضاع المسيح وسلطان المسيح. يصبغني بحياة المسيح الغالبة للموت. فيُبطِل ويبلع ويجتاح الفساد والموت والعتيق والمرض والوجع كله.

هذا العمل يُصيِّرني شريك للطبيعة الإلهية. وبعد ذلك أيضًا يتأله الإنسان. كما قال القديس أثناسيوس: "صار الإله إنسانًا ليصير الإنسان إلهيًا". يعني يصل إلى النقطة التي قال فيها الرسول بولس: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي." (غل 2: 20).

القديس أنطونيوس قال: "هذا الروح الناري الذي قبلته يا أبنائي. الروح هذا اطلبوه باجتهاد ومداومة قلب مع تقديم إماتة الجسد فيُعطى لكم". الإماتة هي الطاعة. فعندما يقول لك: "اعتذر، عندما يقول لك اترك، عندما يقول لك مُت، عندما يقول لك اغفر، عندما يقول لك اقبل". هي هذه الطاعة التي ستصل بك للإمتلاء من الروح القدس.

إذا كانت أذنك قد أُغلِقت ولست تعرف سماع صوته البتة. ابحث من أين سقطت. واخضع وتُب.

الروح القدس يقول لك: "كل ما للابن هذا ميراث لك، هذا حق لك، هذا صنعه المسيح لك". مُدَّ يدك وخُذ. لا تعش في الضعف وفي الانهزام وفي الانكسار. والرب يريدك أن تكون ابنه.

خُذ عهدًا اليوم بأنك ستكون في شركة أيضًا مع الروح القدس. وتتلذذ بمحبة الآب. وترفض كل عبودية للخوف. ثِق بأنه يُحبك كما أحب ابنه يسوع المسيح. ثِق بأن كل ما له، مُدَّ يدك وخُذ ميراثك. ارفض إبليس الذي يريد أن يقطع الخط الذي بينك وبينه. انجح في الحرب. خُذ قوة من المسيح واسهر. اجلس أمام المسيح كل يوم لكي تقدر أن تغلب وتنتصر. آمين.

الأكثر مشاهدة