رسالة الراعي الصالح


ملح ونور | بقلم: الأم إيفون لوريا

مقدمة: ما معنى أن نكون "نور العالم وملح الأرض"؟
يبدأ المسيح، له كل المجد، بالإعلان عن هوية أولاده ودعوتهم في العالم، مستخدمًا مثالين من واقع الحياة: الملح والنور. يقول في إنجيل متى: "أنتم ملح الأرض... أنتم نور العالم". إن المسيح، الذي قال عن نفسه "أنا هو نور العالم"، يريد أن يكون نوره في أولاده، وأن تكون حياته وحضوره واضحين فيهم، ليصيروا هم أيضًا نورًا للعالم.

الهدف هو أن يرى الناس أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السماوات. فالناس يريدون أن يروا المسيح فينا: في محبتنا، وحياتنا، وسلوكنا، وتصرفاتنا. يُكتب عن التلاميذ أنهم "دُعوا مسيحيين في أنطاكية أولًا". لماذا؟ لأن لغتهم وحياتهم صارت مثل المسيح، فدُعوا مسيحيين لأنهم أتباع المسيح. فصوت الحياة أقوى من صوت الكلام؛ فالحياة والسلوك يؤثران في الناس أكثر من الوعظ. إننا رسالة مقروءة من جميع الناس، يرون فينا المسيح.

لكي يكون الإنسان نورًا وملحًا باستمرار، يجب أن تكون شركته مع الله عميقة ويقظًا على حياته الروحية، ويقاوم أفكار إبليس تحت حماية دم المسيح. وإذا حدث ضعف، عليه أن يرجع بسرعة بالتوبة لكي يكون الروح القدس مرتاحًا فيه، فتظهر حياة المسيح من خلاله.

كيف نكون نورًا وملحًا؟
لكي نظهر المسيح في حياتنا، نحن مدعوون ألا نكون مجرد مؤمنين أو خدام، بل أن نكون مشابهين لـ "صورة ابنه" (رومية 8: 29). هناك نقطتان أساسيتان لتحقيق ذلك:

النقطة الأولى: وصية المحبة والغفران

1. أساس المحبة:
المحبة هي العلامة التي يعرف بها العالم أننا تلاميذ المسيح، كما قال: "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حب بعضًا لبعض". وهذا يعني أن أعيش وصية المحبة، وأسلك بها، وأثبت فيها، "لأن من يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه". عندما أثبت في المحبة، فإن حياة الله تظهر في تصرفاتي، ويظهر نوره من خلالي للعالم. إن أساس المحبة هو الغفران.

2. مستوى المحبة المطلوب:
أعلى مستويات المحبة هي وصية المسيح الجديدة: "أحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا". هذه الوصية تتجاوز وصية العهد القديم "تحب قريبك كنفسك"، فهي تدعونا أن نحبه أكثر من أنفسنا. ولكي نصل إلى هذا المستوى، يجب أن نبدأ بالغفران، فإذا قررت أن أغفر مهما كانت الإساءات، فإن هذا سيملأني بالمحبة. فلا يمكن للمحبة أن تسكن في قلب يحمل مرارة أو جرحًا.

3. طبيعة الإساءة والغفران:
الغفران هو قرار واختيار إرادي. أريد أن أقول لكل مجروح ومتألم: الذي جرحك ليس فلانًا أو زوجتك أو زوجك، بل الذي جرحك هو إبليس. يتحرك إبليس خاصة ضد الخدام في كنيسة المسيح، فيحرّك شخصًا ما ليبغضهم أو يهينهم أو يجرحهم. عندما يحدث هذا، فإننا نرى الشخص الذي أساء إلينا، ونتساءل كيف يفعل ذلك بنا، فيتملكنا الألم والجرح، مما قد يعطّل خدمتنا وشهادتنا. الحقيقة هي أن عدونا الحقيقي هو الذي حرّك هذا الشخص ضدنا. أنا لا أقول إن الشخص الآخر بريء ولم يخطئ، ولكني أريد أن نعرف أن عدونا الحقيقي هو إبليس الذي أصابنا من خلاله. مصارعتنا ليست مع لحم ودم، بل مع أجناد الشر الروحية.

4. التغلب على روح الانتقام:
الكتاب يقول: "لي النقمة أنا أجازي يقول الرب". ويقول أيضًا: "لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير". الرب هو الذي يأتي بحقنا، ولكن ليس ونحن نحمل في قلوبنا رغبة في الانتقام. يجب أن نغفر أولًا ونسلّم الأمر لله، وهو سيأتي بحقنا في وقته. المسيح نفسه لم يكن يهدد، بل "كان يُسلِّم لمن يقضي بعدل". أنا أُسلِّم أمري لله، فهو كبيري، وهو سيأتي بحقي.

5. أهمية الغفران للحياة الأبدية:
من يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وكل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه. "من لا يحب لم يعرف الله، لأن الله محبة". إذا كنت مؤمنًا وتعيش في البغضة، فليس لك حياة أبدية.

 

النقطة الثانية: الطاعة لتجديد الطبيعة

1. الطاعة هي مفتاح التغيير:
طبيعتنا البشرية فاسدة، لكن المسيح جاء ليجدد هذه الطبيعة بالروح القدس وقوة حياته. الوسيلة لتجديد الطبيعة هي الطاعة. يقول الكتاب: "إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون". النمو الروحي هو النمو في طاعة الروح القدس والامتلاء منه.

2. كيف تعمل الطاعة؟
عندما نطيع الروح القدس، حتى لو كانت الوصية مكلفة وتتطلب بذلًا وتنازلًا، فإنه "يضرم" (يفيض) فينا، وبهذا تُمات أعمال الجسد، ونتجدد من الداخل ونتغير. الطاعة هي التي تجدد طبيعتنا وتغيرنا، وتجعلنا نورًا وملحًا. لقد تعلمت أن أغصب إرادتي لأفعل مشيئة الله، ومع الوقت، اكتشفت أنها صالحة وأن الرب يريد لي الخير، فانتقلت نقلات روحية وتغيرت حياتي.

3. دور الصلاة والتوبة:
لكي تمتلئ بالروح القدس، يجب أن تضع نفسك في موضع الطاعة، فالروح القدس يُعطى "للذين يطيعونه". وهذا يبدأ بالصلاة والشركة اليومية مع الرب. لا يمكنني أن أصلي وأنا غاضب من أحد؛ يجب أن أحل هذه القضية أولًا لأنها تعطل انسكاب الروح القدس فيّ. التوبة يجب أن تأتي أولًا في الصلاة. إن رأيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب. لهذا، يجب أن أخرج الخطية أولًا بالتوبة لأستمتع بالعِشرة مع الله.

كلمة تشجيع أخيرة

المسيح مخلص. إن كنت تشعر باليأس من أن تتغير، فلا تستسلم. ارفض اليأس والإحباط والفشل الذي يزرعه إبليس فيك. ارفض أفكاره التي يريد من خلالها أن يحطمك ويحزنك ويجرحك. ثق في المسيح، فهو مخلص، ودمه أقوى من الخطية، وسلطانه أقوى من إبليس، ويستطيع أن يحررك من كل قيد.
 

الأكثر مشاهدة