رسالة الراعي الصالح


التشبه بالمسيح: صلب الذات | بقلم: الأم إيڤون لوريا

مشيئة الله نحو الإنسان: التشبه بصورة المسيح
مشيئة الله نحو الإنسان واضحة: أن يتغير إلى صورة يسوع المسيح. المسيح هو صورة الله غير المنظور، والآب خلق الإنسان على صورة الابن بدافع المحبة العظيمة، ولما سقط الإنسان في الخطية، أرسل الابن ليسترده ويغيره إلى صورته. الرسول بولس يوضح في رسالته إلى أهل رومية أن الذين يحبون الله مدعوون "ليكونوا مشابهين صورة ابنه".

"لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ." (رو 8: 29).

هذه الدعوة إلى التشبه بصورة الابن تعني أن يتجسد الابن ويعيش ويتصور فينا، فيغيرنا إلى صورته في ردود أفعالنا وتفكيرنا وسلوكنا.

نقطة الانطلاق للتغيير والصراع بين العتيق والجديد
يبدأ التغيير بفتح القلب للمسيح لتتدفق الحياة الجديدة داخله. هذه الحياة الجديدة هي بداية الطريق، وبعدها يتزايد الامتلاء من حياة المسيح بالروح القدس. عند دخول المسيح الحياة، يحدث صراع بين "الإنسان العتيق" المتوارث من الآباء والذي دخل من خلال التجارب والأفكار الشريرة، وبين الحياة الجديدة. يشبه هذا الصراع ما ورد في الكتاب المقدس بأن "الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد".

"لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ." (غل 5: 17).

وقد يبقى بعض المؤمنين في هذا الصراع طوال حياتهم دون غلبة، لكن السبيل الوحيد للحياة والغلبة هو الانحياز وطاعة الروح القدس.

مفتاح الغلبة على الإنسان العتيق: صلب الذات بالإرادة
للتغلب على الإنسان العتيق وجعله يموت ليظهر الجديد، يشير الرسول بولس إلى أن "ليس يسكن في جسدي شيء صالح، لأن الإرادة حاضرة عندي، أما أن أفعل الحسنى فلست أجد".

"فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ." (رو 7: 18).

هذا يعني أن المؤمن قد يريد أن يغلب وينجح، لكن الخطية الساكنة فيه (الإنسان العتيق) تغلبه. على الرغم من أن المسيح "صلب الإنسان العتيق معه" على الصليب، وجعل هذا حقًا لنا، إلا أن هذا الحق لا يصبح فعّالًا إلا إذا اشترك المؤمن بـإرادته في إماتة العتيق. يتطلب هذا أن يقول المؤمن "لا" لإبليس ولذاته وللجسد بإرادة أمينة، ليقيمه المسيح ويزداد الروح القدس فيه. وتؤكد آيات مثل "وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ." (غل 5: 24). و"فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ،" (كو 3: 5). على الدور الفعّال للمؤمن في هذه العملية.

النمو الروحي: ثمرة إماتة أعمال الجسد بالروح
عندما تشترك إرادة المؤمن في إماتة أعمال الجسد "بالروح"، تحدث الحياة وتزداد. هذا يعني الانحياز لصوت الروح القدس ووصية المسيح، ورفض الانحياز للذات أو لصوت إبليس. كل مرة يقول فيها المؤمن "لا" لإبليس ولذاته، و"نعم" للمسيح، تتدفق الحياة ويستريح الروح القدس. هذه العملية ليست "ضربة قاضية" تحدث لمرة واحدة، بل هي طريق نمو مستمر، طريق جهاد وتوبة وطاعة مستمرة. هذا النمو هو نمو في النعمة ومعرفة الرب يسوع المسيح.

رحلة النمو الروحي: خلع العتيق ولبس الجديد
النمو الروحي هو رحلة مستمرة من الاتحاد بالمسيح بالروح القدس. هو عملية "خلع العتيق" و"لبس الجديد". فالآية تقول: "لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ،" (كو 3: 9-10). هذه العملية تشمل تجديد الذهن، حيث يحارب إبليس الأفكار المظلمة مثل البغض والخوف والشك، بينما يدخل المسيح بحياته لينير الذهن والقلب والكيان، مما يؤدي إلى الامتلاء من الحكمة والفهم الروحي. يجب أن يكون لنا "فكر المسيح" وأن نحفظ قلوبنا وأفكارنا فيه. "«لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟» وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ." (1 كو 2: 16).

خطوات الاستمرار في النمو والوصول إلى صورة المسيح
للحفاظ على النمو الروحي والوصول إلى صورة المسيح، هناك ثلاث نقاط أساسية:
•    الخلوة اليومية أمام الرب والنظر إلى مجده، حيث يكشف نوره الظلمة ويبددها.
•    طاعة الوصية ومشيئة الرب وصوت الروح القدس أولًا بأول، ورفض الانحياز للذات.
•    التوبة المستمرة عند السقوط، بالقيام بسرعة والتطهر ومواصلة الطريق. هذه العملية هي نزع مستمر للعتيق ودخول للجديد، ورفض للموت والخطية وقبول للحياة والروح القدس. يتطلب هذا جدية في الطريق الروحي يوميًا من خلال الطاعة والخلوة والانحياز للروح القدس، مما يؤدي إلى نمو وتغيير مستمر حتى نصل إلى "تلك الصورة عينها".

الأكثر مشاهدة