علمنا نصلي | بقلم: الأم إيڤون لوريا
- حياة الإيمان
- May 29, 2025

ما هي الصلاة؟
من إنجيل لوقا 11:9: "وأنا أقول لكم: اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له. فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزًا فيعطيه حجرًا، أو سمكة فيعطيه حيّة بدل السمكة، أو إذا سأله بيضة فيعطيه عقربًا؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه؟"
إذًا، ما هي الصلاة؟ الصلاة هي صلة وعلاقة بيني وبين الرب. إنها الدخول إلى حضرة الآب بالمسيح يسوع في الروح القدس. أي أننا ندخل إلى حضرة الآب بالمسيح يسوع، الذي هو الطريق، في الروح القدس.
الصلاة وعلاقتها بالروح القدس
المسيح، له كل المجد، أراد أن ينقل التلاميذ إلى مستوى روحي أعلى عندما قال لهم:
"اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم." (مت 7: 7)
نعم، اطلبوا احتياجاتكم، ولكن المسيح أراد أن يوجههم إلى نقلة روحية أعمق، من مجرد طلب الأمور المادية إلى طلب الروح القدس. فالهدف من الصلاة ليس فقط الاحتياجات الشخصية، بل أن يعطيكم الروح القدس، كما قال: "يعطي الروح القدس للذين يسألونه." (لو 11: 13) هذا يُحَوِّل اتجاه الصلاة نحو ملكوت الله، كما قال المسيح سابقًا: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم." (مت 6: 33)
فالهدف هو أن نطلب حياة الله والامتلاء من الروح القدس. لذلك، قال الآب متّى المسكين: "عرفتُ لماذا يقول الرب: صلوا في كل حين ولا تملّوا، لأن الرب يريد أن يعطي الروح القدس كل حين." فالروح القدس منبثق من الآب في الابن بصورة استمرارية، ومنسكب من الابن في الكنيسة وفي المؤمنين باستمرار. فالله يريد أن يُعطي الروح القدس لنا، والصلاة تهدف إلى هذا الامتلاء.
كيف نصلي؟
"متى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك." (مت 6: 6). هذا لا يعني فقط بابًا ماديًا، بل إغلاق الأفكار، والدخول إلى حالة راحة في الله، باتجاه خضوع وتسليم وشكر، للدخول في الروح.
قد يسأل أحدهم: "كيف أصلي؟" المسيح له المجد قال للسامرية: الساجدون الحقيقيون، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا.
نرى هنا الثالوث بوضوح:
• الساجدون الحقيقيون للآب
• بالروح القدس
• والحق الذي هو المسيح
إذًا، كيف نبدأ الصلاة؟ يجب أن نبدأها بـالتوبة ونزع الخطية، لأننا نريد الدخول إلى محضر الله. فكما يقول الكتاب: "إن راعيتُ إثمًا في قلبي، لا يستمع لي الله." (مز 66: 18).
إذا كنت قد دنَّست فكري، أو غضبت، أو أخطأت، فيجب أن أتطهر أولًا وأتوب، لكي ينفتح الطريق أمامي. فيجب أن أتغسل بدم المسيح، حتى تتحقق الصلة بيني وبين الروح القدس. فالكتاب يقول: "خطاياكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم." (إش 59: 2) لهذا، عندما نتوب ونطلب الغفران، نفتح باب العلاقة مع الله من جديد.
أهمية تصفية الذهن قبل الصلاة
هناك الكثير من الأشخاص يقولون: عندما أدخل للصلاة أكون غير قادر على التركيز، هناك تشويش وتشتيت، وهذا يرجع إلى عدم تصفية القلب والفكر قبل الصلاة. فكيف نصفي الذهن؟
إذا كنت مهمومًا بمشكلة، سلّمها للرب وألقِ همّك عليه كي تستريح.
إن كنت مجروحًا من شخص معين، صلِّ لكي تغفر له، حتى يخرج الجرح من داخلك.
إن كنت خائفًا من أمر معين، صلِّ لكي تغسل من الخوف، وقل للرب: يا رب، أنا أضع الأمر بين يديك، وأثق فيك.
الخطوة الأولى: التوبة
أول خطوة في الصلاة هي التوبة عن الأفكار والخطايا والعوائق الروحية التي تمنع الاتصال بالله. فالكتاب يقول: "إن راعيتُ إثمًا في قلبي، لا يستمع لي الله." (مز 66: 18)
إذا دخلت الصلاة وأنت تحمل خطية في قلبك، فإن الاتصال مع الله يكون مقطوعًا، لذا يجب التنقية أولًا.
"الاستراحة في الله" ماذا تعني؟
الكثير يكرر عبارة "استرح في الله"، ولكن ماذا تعني؟ تعني أن ألقي كل أثقالي عليه، وأدخل إلى حضرته بثقة، بلا قلق أو اضطراب. تعني أن أتصالح مع من لي خلاف معهم، كما قال المسيح: "فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك." (مت 5: 23-24).
إذًا، قبل البدء في الصلاة، يجب أن أفرغ كل المشاعر السلبية، وأعد قلبي للاتصال الحقيقي مع الله.
دور الكتاب المقدس في الصلاة
مع الصلاة، من الأفضل أن يكون هناك قراءة للكتاب المقدس، لأن كلمته تنيرني وتساعدني على رؤية الحق، كما يقول المزمور: "سراجٌ لرجلي كلامك، ونورٌ لسبيلي." (مز 119: 105)
فعند قراءة الكتاب المقدس، أُقارن نفسي بالوصايا الإلهية وأبحث عن الأخطاء التي تحتاج إلى تصحيح.
كيف تكون الصلاة مستجابة؟
يسأل الكثيرون: لماذا لا يستجيب الله لصلواتي؟
لكي تكون الصلاة مستجابة، يجب تحقيق شروط الاستجابة، والتي أوضحها المسيح في إنجيل يوحنا: "إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم." (يو 15: 7)
لكي نطلب فنأخذ، يجب أن تكون كلمة الله ثابتة فينا، وأن نكون ثابتين فيه. لكن كيف نثبت فيه؟ "من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه." (1 يو 4: 16)
الثبات في المحبة يعني الثبات في المسيح وفي كلمته، كما أن الغصن الثابت في الكرمة يأخذ العصارة من الجذر، هكذا نحن إذا ثبتنا في المسيح، يسري الروح القدس فينا.
الشرط الأساسي للاستجابة
بدون الشرط الأساسي لن تُستجاب الصلاة، وهو نزع الخطية، كما يقول الكتاب: "إن راعيت إثمًا في قلبي، لا يستمع لي الله." (مز 66: 18) إذًا، الله ليس من لا يسمع، بل نحن من لسنا مستعدين للاتصال به بسبب العوائق الروحية.
ويجب أن تكون الصلاة بحسب مشيئة الله، ولكن الاستجابة ليست بالضرورة كما نتصورها، فهي تحدث بطريقة الله وليس بطريقة الإنسان. الله يرى الصورة الكاملة، ويعرف ما هو الأفضل لكل شخص، لذلك عندما نصلي، لا ينبغي أن نفترض أن الاستجابة ستكون وفقًا لرغبتنا الشخصية فقط، بل وفقًا لمشيئته الصالحة.
ما هي الشفاعة بالروح؟
نتحدث كثيرًا عن الشفاعة، لكن ما معنى الشفاعة بالروح القدس؟ الشفاعة بالروح تعني أن الروح القدس يصلي فينا ويشفع لنا أمام الله.
يقول بولس الرسول في رومية "وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأناتٍ لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين." (رو 8: 26-27).
كيف يعمل الروح القدس في الصلاة؟
أحد القديسين قال: "الصلاة هي استجابة بشرية لمشيئة الله." فعندما ندخل في الصلاة بالروح، نكتشف مشيئة الرب ونطلبها، فنحن لا نعلم دائمًا ما ينبغي أن نصلي لأجله، على الرغم من أننا نعرف احتياجاتنا العامة، مثل أمور الحياة والخدمة. لكن مشيئة الله أعمق، فالهدف الأساسي هو أن نتغير إلى صورة المسيح، لذلك:
الروح القدس يعرف الصورة التي يريد تغييرنا إليها.
يفحص أعماقنا ويكشف لنا مناطق الضعف والظلمة في دواخلنا.
يعلم ما هو فكر المسيح، وردود أفعاله، وكيف كانت حياته حين كان في الجسد.
يقول الكتاب: "الروح يفحص كل شيء، حتى أعماق الله." (1 كو 2: 10)
فعندما يشفع الروح القدس فينا، فهو يصلي بحسب مشيئة الله وليس بحسب أهوائنا الشخصية. فهذا المستوى من الصلاة يمثل نقلة روحية في حياة المؤمن، وهو ليس أمرًا يختبره كل مؤمن، بل يحتاج إلى إرادة خاضعة لمشيئة الرب.
عندما تتناغم إرادتنا مع إرادة الروح القدس، يبدأ الروح في الصلاة داخلنا.
إن كنت لا أستطيع ضبط إرادتي وفقًا لمشيئة الروح، فعليَّ أن أسرع للصلاة حتى يساعدني على تحقيق ذلك. لأنني لا أرى كل ما بداخلي، فالروح يكشف لي ما أحتاج أن أتغير فيه. الروح القدس ينير داخلي، ويكشف الظلمة الدفينة، سواء كانت دوافع أو اتجاهات أو أهداف غير سليمة. يبدأ عمله تدريجيًا، فينير جزءًا ثم جزءًا آخر، حتى يكتمل التغيير، مما يساعدني على التحوّل إلى صورة المسيح.
العمل الروحي يمتد إلى الخدمة
عندما يعمل الروح القدس في داخلي، فهو يهيئني أولًا، ثم يستخدمني لاحقًا في قيادة النفوس:
ما صنعه الروح في داخلي، سيفيد النفوس التي سأخدمها لاحقًا.
عندما أصبح خادمًا أو راعيًا، سيكون لديّ خبرة روحية تؤهلني لمساعدة الآخرين. الشفاعة الحقيقية هي عمل الروح القدس في المؤمنين الحقيقيين، سواء كانوا في الأرض أو في السماء، فهو الذي يربط الكنيسة الأرضية بالكنيسة السماوية.
فالخلاصة: أن الشفاعة بالروح تعني أن الروح القدس يعمل في داخلي، وهو الذي يصلي فيَّ، كما يقول بولس الرسول: "يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يتصور المسيح فيهم." (غل 4: 19)
هذا المخاض الروحي هو عمل الروح القدس، حيث يقوم بتغيير المؤمن حتى يصبح على صورة المسيح، ثم يستخدمه لاحقًا في خدمة الآخرين. الروح القدس يعمل فينا بطريقة لا نستطيع التعبير عنها بكلمات بشرية، فهو يمنحنا دموعًا، صراخًا، وسلطانًا روحيًا عندما نصلي من أجل الخطاة أو القضايا الروحية العميقة. فهو يقوم بالدور بالكامل، لكنه يحتاج أن يكون المؤمن مستسلمًا بين يديه.
كيف نمتلئ بالروح القدس؟
كلما سلّمت نفسي له وخضعت لمشيئته، يستريح في داخلي.
كلما أطعته وتجاوبت معه، يُضرم فيّ ويحرّكني، فالكتاب يقول: "لأن الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله." (رو 8: 14) إذًا، الروح القدس هو الذي يقودني ويحركني، على قدر ما أسلمه حياتي وأجعل سيادته مطلقة فيها.
يقول الكتاب: "الآب يعطي الروح القدس للذين يسألونه، وللذين يطيعونه." (لو 11: 13) إذًا، الامتلاء بالروح القدس يحتاج إلى طلب مستمر وطاعة دائمة وعندما تتطابق إرادتي مع إرادته، يشفع فيَّ، ويصلي في داخلي، حينها تصبح صلاتي بالروح، وليس بالذهن فقط، فأكون مرنًا بالكامل في يديه.
وكلما أعطيت كلمة الرب سلطانها في حياتي، تعطيني سلطانها وأنا أتكلم. بمعنى: إذا كنت خاضعًا لكلمة الله، فإن كلمته تعمل فيَّ بقوة وعندما يكون سلطان كلمة الله كاملًا في حياتي، فأتحدث بسلطان روحي حقيقي.
الخروج من الصلاة الروتينية إلى عمق الصلاة
الصلاة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي دخول إلى الحضرة الإلهية، حيث تصبح الصلاة:
مستجابة وقادرة على تغيير الواقع.
تؤدي إلى علاقة حقيقية وحميمية بيني وبين الله. وهذا يحتاج إلى طاعة، نزع الخطية، والمواظبة المستمرة.
الصلاة لا يمكن أن تكون مجرد لحظات عابرة مثل:
خمس دقائق قبل العمل.
صلاة سريعة في الطريق. بل يجب أن يكون هناك وقت مستقطع للصلاة بعمق، حيث:
نسكن أمام الله ونهدأ.
ندخل إلى الحضرة الإلهية ونمتلئ من حياته.
نفيض من هذا الامتلاء على الآخرين في الخدمة والمجتمع.