رسالة الراعي الصالح


لا تدينوا: فلا تُدانوا

تمخض مجتمع الناموس؛ كما هو الحال بين كثرة من المتدينين ورواد الكنائس في زماننا؛ عن حالة الرياء والنفاق وإدانة الآخرين والتلذذ بسيرة الرعاة والخدام؛ الأمر الذي يُعبر عن حالة تغيب كاملة لوصية المحبة، وعدم استيعاب لوصية المسيح في الإنجيل.

فالمثل الذي ضربه المسيح له المجد: اثنان صعدا إلى الهيكل ليُصليا، فريسيُّ وعشار، أما الفريسي فكان يصلي إلى الله بالاستعلاء على العشار واحتقاره "اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار." (لوقا ١٨ : ١١). هذا المثل يُعبر عن حالة الرياء والنفاق والاستعلاء التي ضربت تجمعات المتدينين في الماضي وفي الحاضر؛ فالمتدين المتباهي بمظهره الكنائسي ودوره في خدمة الكنيسة، دون أن يمتلئ قلبه من محبة الله، يغض الطرف عن أخطائه وخطاياه، ويراها صغيرة في عينيه ومُستأهلة للصفح والغفران، بينما يرى خطية أخيه كبيرة، مُزعجة، تستحق الإدانة، ويستوجب قريبه عليها العقاب. هذا هو ما يصفه المسيح له المجد، إذ قال: "كيف تقدر أن تقول لأخيك: يا أخي، دعني أخرج القذى الذي في عينك، وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك؟ يا مرائي! أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى الذي في عين أخيك." (لوقا ٦ : ٤٢) (ومما هو جدير بالذكر أن كلمة الخشبة في النص اليوناني تعني: سارية قلع المركب).

التحذير الخطير الذي يحذرنا به المسيح من نتيجة خطية الإدانة هو: "لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم." (متى ٧ : ٢).
(تُدانون) هنا تشمل بُعدين أحدهما في هذا الزمان، والآخر في اليوم الأخير؛ أما البُعد الزماني في الدينونة فهو ناتجًا عن شكاية إبليس على الإنسان الذي يدين خطية أخيه، بأن يأخذ سلطاناً عليه بسبب إدانته لأخيه، بأن يُوقعه في نفس الخطية، التي أدان أخيه عليها؛ وأما البُعد الآخر في اليوم الأخير فينطبق عليه كلام المسيح له المجد: "إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين." (متى ١٢ : ٣٦) "في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح." (رومية ٢ : ١٦)

خطية الإدانة تكشف غرورًا واستعلاًء في قلب من يدين، وغيابًا للمحبة عن قلبه، لأن "المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق" (١ كورنثوس ١٣ : ٤)؛ والرُب يقول: أنا لم أدين، ولست أحكم على غيري، أنا فقط أميز بين الخير والشر، والخطأ والصواب، وأقول على الخير خير والشر شر!

س: فما الذي يفصل بحسب الإنجيل بين التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الإدانة التي تُحضر صاحبها إلى الدينونة!؟

ج: إذا كنت تميز بين الخطأ والصواب بروح المحبة، فإن المحبة بالضرورة ستقودك إلى الإشفاق والتحنن على خطية أخيك، وتقودك بالحتم إلى محاولة ستره ومساعدته على الشفاء من ضعفه ومن خطيئته، وإذا لم تكن أنت الأب أو المعلم أو الراعي الذي يُخول له الحق بالتوبيخ والتقويم والتصحيح بروح المحبة، فعلى الأقل ستلجأ إلى الصلاة الشفاعية من أجل خلاص نفسه، وتحرره من هذا الضعف.
أما إذا كنت ترى خطيئة أخيك بجرحٍ وغضبٍ، أو باحتقارٍ واستعلاءٍ وإهانةٍ؛ فراجع نفسك فورًا، واحكم على نفسك، واخرج من روح الإدانة، واقطعه من لسانك ومن عينك، قبل أن تُدان على كل كلمة بطالة في اليوم الأخير، بعدما يشتكي عليك الشرير ويسقطك في ذات الخطية في هذا الدهر.
س: فهل تكون خطية الإدانة بالفكر مُستوجبة الدينونة وشكوى الشرير على الإنسان، مثل خطية الإدانة باللسان؟

ج: التي تستحق الدينونة هي الكلمة البطالة، والذي يعطي لإبليس حق الإدانة هو التنفيذ بالكلمة؛ ولكن الإدانة بالفكر وإن لم تجلب الدينونة طبقاً لهذه القاعدة، فإنها بالتأكيد تحزن الروح القدس وتُعيق استجابة الصلاة.

"لا يتكَلّمْ بَعضُكُم على بَعضٍ بالسّوءِ، أيّها الإخوَةُ، لأنّ مَنْ يتكَلّمُ بِالسّوءِ على أخيهِ أو يَدينُ أخاهُ يتكَلّمُ بِالسّوءِ على الشّريعةِ ويَدينُ الشّريعةَ." (يعقوب ٤ : ١١) - الترجمة المشتركة

الأكثر مشاهدة